الدمعة الساكبة، بحوث في المأتم والبكاء الحسيني

أضيف بتاريخ 12/30/2023
مكتبة نرجس للكتب المصورة


كتاب: الدمعة الساكبة، بحوث في المأتم والبكاء الحسيني
المؤلف: الشيخ محمد جمعة بادي
عدد الصفحات: 448


حوار المقبرة في صباح إحدى أيام الجمع.. وقد كنت أحمل المصحف الشريف بيدي وأتلو من آياته عند قبر المرحومة والدتي، في هدوء جليل وسكون مهيب، وصفاء مخيم على أجواء المقبرة، لا يُسمع إلا حسيس الريح ووطأ الأقدام الساعية بين القبور.. وما بين أجواء الصمت هذه يتخلّل صوتُ تلقين يخترق سكون الفضاء من جهة حفرة قبر يبعد عني ثلاثين متراً تقريباً، مشوب بهمس بعض المشيعين وصوت بكاء بعضهم الآخر، وسرعان ما فرغ ذلك الجمع من تلقين الميت ودفنه ورش قبره بالماء، وإنقلب همسهم إلى همهمة لا أفهم فحواها ، وكان أن تطوّر الحال إلى رفع الأصوات بالجدال والخلاف، وأنا أسمع من بين كلماتهم.. حرام... الميت يتعذب.. بدعة.. لا تبكون... عرفت فحوى الخلاف، إلا أنني قررت حبس نفسي عن التدخل بحسب ما كنت أشهد من واقع الحال، وحانت مني إلتفاتة سانحة ففوجئت بأحدهم يشير إلى جهتي وكأنه يقول : هذا الشيخ جالس هناك لنسأله عن الأمر.. فتسلّل شابان من بين الجمع نحوي ، وتقدم شاب صبيح عليه سيماء الصلاح والدين وفي عينيه أثر الحزن والدمع ، يقفو أثره شاب قد قصر ثيابه وأطلق لحيته، فابتدرني الشاب قائلاً : السلام عليكم شيخنا.. قلت : وعليكم السلام والرحمة، وعظم الله أجوركم. قال : وأجوركم، جزاكم الله خيراً، ممكن سؤال؟ قلت : تفضل.. قال : شيخنا.. الميت والدي، وهذ ابن عمي، وهو يمنعني من البكاء على والدي، ويقول أن بكائي على أبي يعذبه في قبره، وأن عملي بدعة... وسرعان ما قاطعه صاحبه قائلاً : يا شيخ، إنه يرمي بنفسه على القبر، ويترب نفسه، وهذا لا يجوز في دين الله ... قلت : إسمحا لي.. قالا : تفضل.. قلت : الحزن القلبي مشروع على الميت، بل هو على الإنصاف ليس من مختارات الإنسان أصلاً ، إذ ليس بيده أن لا يحزن حيال مسببات الحزن، كما أنه ليس له أن لا يفرح عند حدوث موجبات الفرح ، ولهذا فإن الله سبحانه لم ينه عباده عن الحزن على الميت، ولكنه نهاهم عن الجزع، وأعيذك بالله سبحانه من الجزع الذي يحجزك عن التسليم لأمر الله والقبول لإرادته، ويسوقك إلى قول ما لا يصح أو فعل ما لا يجدي..

aldameat alsaakibatu, buhuth fi almatam walbuka' alhusaynii aldameat alsaakibatu, buhuth fi almatam walbuka' alhusaynii