كتاب: النظرية اللسانية والبيانية عند ابن حزم الاندلسي دراسة
تأليف: نعمان بو قرة
الناشر: اتحاد الكتاب العرب
عدد الصفحات: 130
الحجم: 2.3 MB
في زمن الصراع والتناقضات، وما بين ازدهار التفكير العلمي في الحضارة الإسلامية والتراجع السياسي المخيف، وما بين عصر المنطق والفلسفة وحوار الأديان وسيطرة العقيدة الأشعرية والسلفية، ظهر المفكر الأندلسي ابن حزم القرطبي، وهو يحمل رؤية متميزة لقضايا عصره جعلته من الشخصيات البارزة في الحضارة الإسلامية بعامة والأندلسية بخاصة. لقد فرض نفسه على صفحات التاريخ بما ترکه من آراء ومواقف وآثار علمية لم يختلف اثنان في أهميتها ؛ ولولا شطط في بعض الأحكام وتحرش تعرض له لكان أكثر شهرة من غيره، وأنفذ تأثيرا، إذ اجتمعت في عبقريته الخبرة السياسية والمعرفة الدينية بمختلف تخصصاتها، كما كان صاحب نظرة ثاقبة وقدرة متميزة على تفحص دقائق الأمور بعقل واع ومنهج علمي متزن سعي أبن حزم، إلى تأسيس مذهب فكري متكامل يكون بديلا للثقافة المشرقية السائدة. والتف حول مدرسته جم من المفكرين والمؤرخين وعلماء الأصول ورجال القضاء والسياسية، وكانت هذه المدرسة قائمة أساسا على سلطة النص مستمدة تأثيرها من منطق البرهان .وربما كان فتح باب الاجتهاد في هذه المدرسة بعد غلقه صورة لحرية التفكير العلمي و اقتضى ذلك إعادة قراءة الأصول التي بني عليها التراث الفكري للحضارة الإسلامية، وقد كان في هذا الجهد مدركا لضرورة التخلص من أساليب الفهم الجاهزة التي وفرها التراث نفسه، فكان عليه أن يتحرر من سلطانها، داعيا إلى إيجاد أدوات جديدة لقراءة واعية، ربما فرضتها ظروف تلك المرحلة المتميزة والحاسمة في تاريخ الحضارة الإسلامية وللقارئ أن يعود إلى آرائه في القياس والعلة والبيان والدليل ... وقد كان ابن حزم عبقرية مجاوزة لعصرها لم تجد من يرعاها بما فيه الكفاية، ومن صور تميز هذه الشخصية تعدد مصادر الثقافة وموسوعينها، فعالمنا يتنقل بين علوم نقلية وأخرى عقلية يحكمها إلى درجة عالية من التخصص، وهذا ما يجعل مهمة الإحاطة بالشخصية وآرائها أمرا شبه مستحيل بالنسبة إلى الدارس المبتدئ. ولما كانت دراستنا هذه تتنزل في سياق تسليط الضوء على الجهود اللسانية التي توضح كيفية التعامل مع الخطاب القرآني، فإننا سنلاحق آراءه في العقائد والفلسفة والمنطق والأصول وعلم الكلام في ضوء المقاربة البيانية التي تبناها والقائمة على مبدأ الوضوح الدلالي، ونحصرها في سياق محدد يمثله المذهب الظاهري، علنا نجد فيه الإجابة عن كثير من الأسئلة المطروحة في بناء مشروعه الفكري. وتهدف هذه الدراسة إلى تكوين فكرة مجملة عن الآراء النظرية والتطبيقية البارزة التي حفلت بها مؤلفاته في اللغة والنحو والبلاغة والمنطق وإعادة ترتيبها وفق تنظيم معين يجعل منها نسقا متكاملا وبنية منسجمة تفسر وظيفتها، من خلال علاقة هذه العناصر في ضوء الأصول العامة التي وصفها صاحب النظرية، وتقوم هذه الدراسة على المحاور الكبرى التالية: المدخل ابن حزم ومدرسته في الغرب الإسلامي خصص للبحث في سيرة ابن حزم وأخلاقه وثقافته، بالإضافة إلى قراءة تمهيدية هدفها التعريف بالمذهب الظاهري، نشأة وتطورا وأعلاما وقواعد منهجية يقوم عليها تميزه عن سائر المذاهب الفقهية الأخرى، مع تبيان أثر هذا المذهب في توجيه آراء ابن حزم العلمية وجهة الاعتراف بسلطان النص وتبعية العقل له. الفصل الأول التصور اللساني عند ابن حزم وأصوله المعرفية خصص هذا الفصل لأهم الآراء اللسانية التي أثارها ابن حزم في مجموع مؤلفاته في علم الأصول والمنطق بخاصة، بدء بالقضايا الصوتية، التي حدد فيه مفهوم الصوت اللغوي وكيفية حدوثه وعلاقاته بالإنسان والزمان والمكان ووقوفا عند المسائل النحوية وفي مقدمتها إبراز أهمية النحو في تعليم اللغة، وضرورة تيسيره بتخليصه من دقائق المسائل العويصة التي بعجها النحاة بالقياس والعلة، مبينا مفهوم الاشتقاق وحدوده اللغوية، واختصاص اللسان العربي بالعلامة الإعرابية المتحكمة في المعنى والوظيفة. هذا وأبرز في المستوى الدلالي أهمية العناية بالسياق لفهم المعنى، ويمكن عد الوضوح أهم ركيزة تقوم عليها وجهة النظر الظاهرية في تفسير النصوص، ويختم الفصل بعرض شامل لمقومات الفلسفة اللغوية الخاصة بالعربية، ومساهمة ابن حزم في حل إشكالية المصطلح الفلسفي التي ظهرت مبكرا في الدرس اللساني العربي بخاصة والمعرفة الإسلامية بعامة، بالإضافة الى ابراز نظرته المتعلقة بالبلاغة والفصاحة وحدودهما في ضوء الأسس المعرفية التي تبنتها المدرسة الظاهرية الفصل الثاني النص بين البنية والتداول يتضمن هذا القصل حديثا مركزا عن الخصائص البنيوية والتداولية للنصوص، والتي أجملها ابن حزم في تحليله للدلالة اللسانية بين الحقيقة والمجاز، ومستعرضة آراء المؤيدين للمجاز القرآني كمدخل للاعتراف به في اللغة والتخاطب وآراء الرافضين لوجوده في القرآن، ذلك أنه شكل من أشكال الكذب والإيقاع في التوهم، وهذا مناف للشريعة المبنية في أعراف تخاطبها على الوضوح التام، ويرتبط بهذا المحور تحليله لبنيتي الأمر والنهي ووظيفتهما - التداولية في النص، وخصائص خطاب الإستثناء الذي يتحكم في تخريج الكثير من الأحكام النصية في المعاملات والعبادات.. 9 الفصل الثالث البيان عند ابن حزم بين التأصيل والإجراء يركز هذا المحور على صياغة نظرية حزمية في البيان مؤسسة على معايير الفهم الواضح والمنطق البرهاني الذي يستمد سلطته من بديهيات الحس والعقل، وفي هذا السياق يناقش ابن حزم مفهوم النبوة ووظيفتها البيانية، كما تكشف هذه الدراسة عن المواقف المختلفة تجاه قضية الإعجاز التي تتأطر بالقضية المركزية المتمثلة في البيان والتي يختار منها ابن حزم موقفا يبدو غريبة في جملته إلا أنه ينسجم مع الأصول العامة لمذهبه الظاهري ألا وهو مذهب الصرفة، وفي إطار علاقة النص بالواقع تناقش الدراسة المسائل التالية: ظاهرة النسخ ووظيفتها النصية 2- النصوص بين التعارض والتكامل 3-تعليل النصوص. هذا وختمت الدراسة بخاتمة بأهم النتائج وقائمة بالمراجع وفهرس للموضوعات وبعد فإن وراء هذا العمل قلبا معطاء كان يبث فينا العزم فإليه نهدي هذا الجهد المتواضع وبالله التوفيق العاشر من شهر أبريل 2004.
النظرية اللسانية والبيانية عند ابن حزم الاندلسي - نعمان بو قرة