كتاب: التحريف والمحرفون، رصد تأريخي للأسباب والدوافع
المؤلف: السيد محمد علي الحلو
عدد الصفحات: 111
بالرغم من التطور التقني الذي اقتحم تقليديات البحث والتحقيق، وبالرغم من سهولة الوقوف على قضية تأخذ أطراف الجدل فيها كل مأخذ، فإن تهمة التحريف تبقى غضة طرية متى ما تفاقمت أزمة الصراع بين الفرقاء، ولعل الإصرار الذي تبديه بعض الأطراف في الإبقاء على تفعيل هذه التهمة تدخل في نطاق خطة المعادلات المذهبية المنتهجة من قبل البعض. أي أن التحالفات الطارئة بين المذاهب الإسلامية تبدو ترتيباتها واضحة بعد أن تتحالف فيما بينها لتصفية حساباتها مع المذهب الإمامي، وكأنها إجراء احترازي تقليدي متبع، لتتصاعد وتاثر الإتهامات وتوجيه اللائمة على المذهب الإمامي في مسألة التحريف. لم تعد هذه التهمة في الوسط الثقافي الإسلامي تثبت مصداقيتها عدا ما تروجه بعض التحزبات السياسية وتحالفات القوى التي من شأنها أن تبدل الصراع من نقاش علمي موضوعي إلى صراع حقيقي يأخذ أبعاده على مستويات خطيرة من العمل. ففي ظل الثورة المعلوماتية التي أحدثتها وسائل الاتصال تتفاقم أزمة الاتهامات ويعمد بعض الإسلاميين إلى ترويج تهمة التحريف محاولین فرض نفوذهم على العقلية الإسلامية لأخذها في متاهات الاسقاطات الطائفية وافتعال أزمات داخل الأمة الإسلامية. ففي غضون هذه العولمة الثقافية كان من المفترض أن تخف حدة هذه الصراعات الفكرية حيث الوصول إلى الحقيقة بات أمراً يسيراً، في حين نجد أن تصاعد الاتهامات تأخذ وتاثرها بالازدياد، ويحاول مروجو هذه الأزمات إلى إشعال فتيلها دائماً. وإذا كانت حركة المعلومات تبدي فشلها في بيان الحقائق ونزع فتيل تهمة التحريف، فإن آليات التحقيق لم تعدم قط، فلدى الباحث ما يؤهله للوصول إلى الحقيقة، ويبقى الرصد التأريخي حافلاً بكثير من الحقائق التي من شأنها أن توقف عجلات هذه التهمة وعرقلة فاعليتها في سحق قيم البحث العلمي والتحقيق الموضوعي.