كتاب: تأملات في طبيعة المعجزة وشخصية النبي ص ، عرض وحوار
المؤلف: العلامة المنار
عدد الصفحات: 150
إن قراءة ما تفيض به أقلام المفكرين والفلاسفة والأدباء، من غير المسلمين على وجه الخصوص، يثير تساؤلاً عن الحقيقة النورانية التي تشع بها سيرة أمير المؤمنين عليه السلام في نفوس هؤلاء حتى باتت كلماتهم تنساق وتفيض في مدحه، ووصفه، والثناء على عظمته على أن اعتقادهم مرتكز على أنه بشر من سائر الناس وليس إماما معصوما منصوصاً عليه غير أنه لعلو شأنه صار مصداقا لكل كلمة مدح وثناء للإنسانية. مثل هذا الأمر يدفع إلى البحث عن السبب الكامن وراء ذلك، غير أننا حينما نرجع للنصوص المروية عن أمير المؤمنين عليه السلام نراه يحيلنا إلى مصدر هذه النورانية، في قوله: إنما أنا عبد من عبيد رسول الله صلى الله عليه وآله (الكافي ج ۱ / ۹۰) ، وكذا في إشارته لنشأته بقوله: «ولقد كنت اتبع النبي اتباع الفصيل لأمه (نهج السعادة ج ٧ / ٣٣)، فهذه النورانية إنما مصدرها ومنشؤها ومبدؤها ومنتهاها هو نور النبي الأكرم صلى الله عليه وآله كما في الخبر نور نبيك يا جابر خلقه الله ثم خلق منه كل خير» (بحار الأنوار ج ٢٥ / ٢٢)، وهي مكتسبة من الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله. إن معجزة مثل هذه، أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وامتداده متمثلاً بعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريته عليهم السلام، والصحابة المنتجبين كعمار وسلمان وأبي ۲ ذر والمقداد، وتبعا لهم سائر الأصحاب كويس والأشتر وميثم وحبيب بن مظاهر والحر و... و.... رضوان الله عليهم أجمعين، نورا ساطعا تحار العقول في تفسير ماهيتاتهم وكينونتهم وكلماتهم وأفعالهم، هم أبناء بيئة كانت كما وصفتها السيدة الزهراء عليها السلام في خطبتها: «على شفا حفرة من النار مذقة الشارب ونهزة الطامع، وقبسة العجلان وموطئ الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون القد أذلة خاسئين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم» (بحار الأنوار ج ٢٩ / ٢١٥)، يضع مفهومًا جديدًا للمعجزة حيث يحملها من خانة الإعجاز إلى حالة التحدي الدائم وهنا هو مكمن القوة. إن إنقلابًا لكل ما هو على أرض الواقع ينشأ فجأة ويكسر القوانين العقلائية ويخالف كل الاستقراءات ثم يستمر إشعاعه بلا إنقطاع إلى اليوم يجعل الإعجاز يتعدى إطار المادة، ويعطي الدافعية إلى العقل لأن يعيد صياغة مفهومه للمعجزة ويعيد التأمل باعتقاداته حولها، وهذا التحفيز المستمر للعقل لا ينتج إلا من عليم خبير حيث جعل الحجة على الإنسان دائمة ومستمرة بلا إنقطاع كما في حديث الإمام الكاظم عليه السلام الهشام: «إن الله على الناس حجتين حجة ظاهرة وحجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة ، وأما الباطنة فالعقول) (تحف العقول ص ۳۳۸). هذا الكتاب هو عامل تحفيز بسيط لإعادة النظر وللمزيد من إجالة الفكر والبصر في مفهوم المعجزة المتحققة على يد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله؛ هو قد لا يقدم اجابات بقدر ما يطرح تساؤلات، لكن التساؤلات الصحيحة هي ما ستقود أهل الفكر والنظر إلى الضوء في نهاية النفق، وهذا هو تكليفنا نحن كبشر من ذوي العقول في هذه الحياة الدنيا، وبه يتحقق الغرض فينا.
ta'amulat fi tabieat almuejizat washakhsiat alnabii s , eard wahiwar