كتاب : الحماسة والعرفان
المؤلف : الشيخ عبدالله الجوادي الآملي الطبري
عدد الصفحات : 313
- إن الحرب والسلم من حوادث ومظاهر عالم الطبيعة ، وأما عالم ما وراء الطبيعة فليس فيه سوى السلام المطلق . والحرب التي تقع في عالم الطبيعة حرب نسبية وليست حرباً مطلقة ، أي أننا لا نجد في عالم الطبيعة شيئاً يخوض حرباً متواصلة مع جميع الكائنات الأخرى ، وذلك لأن مبدأ العلية الذي يحكم عالم الطبيعة ويسود جميع أجزائه ومفرداته يؤيد وجود السلام والتوافق والانسجام بين الشيء وعلته . وكذلك بين الشيء ومعلولاته وآثاره . بناء على هذا فإن عالم الطبيعة المشتمل على الحركة والتنقل يمثل المجال الوحيد الذي يحتوي على الحرب والهجوم من ناحية ، والهرب أو الدفاع من ناحية أخرى ، كما أن ظهور الشر وعروض الضرر منحصر في هذا العالم فقط ، وأما عالم ماوراء الطبيعة الذي هو عالم الثبات والتجرد ، فلا يقع فيه أي لون من ألوان التنقل والضرر ، كما هو الحال في دائرة تواجد الملائكة المحفوظة من الحوادث المؤلمة والرزايا المرة . . - إن حالة الحرب والنزاع لا يمكن أن تنفك عن الانسان في دار الدنيا ، باعتبار أنه يحمل بعداً مادياً ، ويعيش في عالم الطبيعة الذي هو عالم الحركة والتنقل . وهذه الحرب الملازمة الحياة الانسان في الدنيا تكون تارة بعنوان الهجوم ، وأخرى بعنوان الدفاع، وعليه فلا يوجد فرق في أصل وقوع الحرب بين الأنبياء الالهيين الذين هم معلمو البشرية وبين الحكام والأمراء المستبدين ، كما أنه لا فرق بينهم في الكثير من الأمور الطبيعية الأخرى ، فلا فرق - مثلاً - بين السعي والعمل من جهة وبين الراحة والدعة من جهة أخرى ، كما انه لا فرق بين الأشخاص المتقين والأفراد المجرمين في الأفعال الطبيعية الأخرى كالسعي والعمل والراحة والاستقرار ، إذ إن كلا الصنفين يشتركان في صورة العمل الظاهرية ، ويكمن الفرق الوحيد بينهما في المحرك الدافع لذلك العمل، والهدف النهائي المقصود منه ، والذي يمثل روح العمل وجوهره. فالغاية التي يسعى لتحقيقها الكاملون من الناس كالأنبياء هي عبارة عن عملية السير بالفرد والمجتمع في طريق الكمال ، وأما الغاية التي تقف خلف أعمال الملوك وأمراء الجور فهي عبارة عن إفساد الفرد