كتاب : ملخص منهج الرشاد في المعاد الجسماني
المؤلف : محمد نعيم بن محمد تقي العرفي الطالقاني
عدد الصفحات : 341
في شرح معنى المعاد، وتقسيمه إلى الروحاني والجسماني، ونقل اختلاف الناس في ذلك، وسبب اختلافهم فيه، وتحرير مادل الشرع على ثبوته وينبغي إثباته بالدليل العقلي، وفي بعض مطالب آخر يناسب تحقيقها هنا قبل الخوض في المقصود. فنقول: ذكر الفاضل الكامل العارف محمد بن علي بن أبي جمهور الأحساوي في كتابه المسمى به المجلي المرآة المنجي) كلاماً بهذه العبارة: المحققون من الأولين والآخرين هم على القول بإثبات المعاد، وإنما يختلفون في معناه، وقد نقل عن جماعة من الحكماء الطبيعيين إنكاره، وكذا جالينوس أنكره لاعتقاده أن النفس هي المزاج، وأنه يفنى، والفاني لا يعاد، خصوصاً أنه عرض. والأعراض بعد العدم لا يتصور عودها، فإذا بطل المزاج بفناء البدن، لا يعود. نعم القائلون بالمعاد اختلفوا في معناه، فقال بعضهم: إنه الجسماني فقط، و هو مذهب جماعة من المتكلمين بناء على أن النفس جسم، وآخرون قالوا: إنه روحاني فقط، و هو مذهب جماعة من الحكماء الإلهيين، وطائفة قالوا: إنه جسماني 1 - المقصود به الأحساني وروحاني، وهذا على وجهين: أحدهما أن يكون الروح مجرداً عن المادة، فيعاد الجسم، ويتعلق به الروح، أو يتعلق بجسم آخر غير الأول، وهو مذهب قليل من أهل الإسلام، ذهب إليه الغزالي والفارابي، وكل من قال بتجرد النفس من أهل التصوف. والثاني أن يكون الروح جسمانياً أو روحانياً، ويعاد الجسم الأول ويرد فيه الروح. وهو مذهب كثير من أهل الإسلام والنصاري. فعلم من هذا الاختلاف أن تحقق الإعادة مبني على تحقق النفس، وأنها أي شيء هي، فإن هذه الاختلافات إنما نشأت من الاختلافات في النفس كما عرفت. فإن الطبيعيين لما اعتقدوا أن النفس جسم، وأحالوا إعادة المعدوم، أحالوا المعاد مطلقاً، وجالينوس لما قال إنها المزاج نفاه بالكلية. والمتكلمون لما قالوا إنها جوهر جسماني، قالو إنه إنما يكون بإعادة النفس على حالتها بناءً على أنها إما الهيكل المحسوس المشاهد، أو أنها أجزاء أصلية، كما في مذاهبهم. وأما الغزالي وأتباعه، لما قالوا بتجرد النفس قالوا إنها تبقى بعد فراق البدن فعودها ردها إلى البدن مرة أخرى: إما الأول بعينه، أو إلى آخر يماثله وباقي المسلمين، لما كان مذهبهم في النفس على أنحاء متعددة، فالذي قال منهم إنها جوهر جسماني، أو إنها جوهر روحاني، قائل بأنه لابد من إعادة الجسم الأول ويرد فيه الروح جمعاً بين الشريعة والحكمة، ويدعون أن هذا منطوق الآيات القرآنية والإلهيون لما اعتقدوا تجرد النفس وبقاءها بعد فناء البدن، ذهبوا إلى المعاد الروحاني، ومرادهم به قطع علاقة النفس مع البدن.