كتاب : الإسلام ومتطلبات العصر
المؤلف : الشهيد مرتضى مطهري
عدد الصفحات : 456
عندما نقرأ التاريخ ندين أولئك الذين تطاولوا على القيم الإنسانية، وعملوا كل ما في وسعهم من أجل مسخ العقول، وتسميم الأفكار إرضاء النزواتهم الشخصية الطائشة، بيد أنا إذا اكتفينا بالإدانة فلا تحقق أية نقلة للبشرية في عالم القيم والمثل الرفيعة ولا نعطي لقراءة التاريخ مفهومها الصحيح، لذلك علينا أن نكون هادفين واعين عندما نتعامل مع التاريخ والحياة، فندرك أننا عندما ندين ذلك التطاول وأصحابه، أو نستنكر تلك المحاولات الدنيئة من لدن أولئك الذين أفرغوا الحياة من محتواها، وصادروا من الإنسانية هويتها ووجودها، أو نمتعض من التربي في عالم الرذيلة، فإننا لا نكتفي بذلك، بل نكرس كل لحظة من لحظات عمرنا لتوطيد دعائم الجانب التربوي في المجتمع لكي لا تتكرر كل تجربة مرة أذاقت الضمير الإنساني لوعة وألماً، ولا تعاد كل سيرة ساذجة حمقاء تظل أعراضها ممضة موجعة .. ولكي لا يطل على الحياة ثانية شخص متطاول على القيم، أو آخر عديم الضمير، أو ثالث معلم للرذيلة.. فإذا قمنا بذلك فقد حققنا ما نرنوا إليه، وإلا فسوف نبقى نجتر الشجب والإدانة، ونعيد الاستنكار والامتعاض دون تحريك لساكن حتى إذا غفرنا على هذه النغمات فوجئنا بنفس تلك النماذج المرفوضة المنبوذة التي نكيلها شجباً وإدانة واستنكاراً، ونبقى نعيش أزمة مزمنة كلنا نعرف نتائجها وأعراضها حتى كأننا لم نسمع كلام الله عز وجل حين يستصرخنا لتكون اهتماماتنا في ضوء ما يريد بقوله الحكيم: ولتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخير وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ لا سيما وأن أعداء الإسلام من صهاينة وصليبين والمتعصبين يبذلون قصارى جهودهم لتعزيز الجانب التربوي، ويولونه اهتماماً خاصاً لكي تفتح الأجيال عيونها على أجواء موبوءة كما يشتهون، وتلك لعمر الله - الطامة الكبرى حيث أننا نراوح في مكاننا، وهم مليئون حيوية وحركية، فلنعبأ الجهود لنملأ الأجواء بالظهر والصفاء والفضيلة، ولنتحف الحياة بالمفاهيم الخيرة الإنسانية، ولنردد قول القائل: إن أعظم شعب هو الشعب الذي يشغل نفسه بالجانب التربوي ويرى أن السباق في مضماره. ومن هذا المنطلق كانت هذه المحاضرات التربوية القيمة المعلم من معلمي الإنسانية كان يرى أن وجود المجتمع من خلال العامل التربوي الصحيح، وهذا المعلم هو الاستاذ الشهيد العلامة مرتضى مطهري الذي ختم الله له حياته بوسام الشهادة بعد أن كان نعم المربي للبشرية، ولم يطق الجهلة الحمقى وجوده لأنهم علموا عظم خطره على برامجهم وتوجهاتهم المحمومة. تشرفت بتعريب هذه المجموعة من المحاضرات لتكون أحد الروافد التي تفيض على الحياة خيراً وبركة مع اعتذاري من القارىء الكريم إذا وجد فيها شيئاً من التقصير، فلسنا مبرئين ولا أجدني بحاجة إلى أن أذكر المشقات التي يواجهها المترجم، وعسر مهمته، فقد سبقني الكثيرون من أساتذة هذا الفن إلى ذلك، وذكروا ما يكفي بيد أني لا بد أن أذكر بأن أسلوب هذا الكتاب خطابي، مع افتقار الكتاب نفسه إلى ذكر المصادر، وفقدانه التماسك المطلوب، وخلله في نقل الأحاديث والروايات، وهذا مما ضاعف صعوبة العمل وزاد في مشقته، بيد أن ذلك قد ذلّل بفضل مراجعة الأخ ناصر النجفي للكتاب. فلا يسعني إلا أن أقدم جزيل شكري مع عظيم امتناني لجهوده راجياً له الخير والنجاح في جميع ميادين الحياة.