بين المنبر والنهضة الحسينية

أضيف بتاريخ 08/07/2024
Admin 3


كتاب : بين المنبر والنهضة الحسينية
المؤلف : الشهيد مرتضى مطهري
عدد الصفحات : 545


موضوع بحثنا هو الفطرة، وهو بحث فلسفي من وجه لأن أهم مباحث الفلسفة ثلاثة: (الله، والكون والإنسان ولبحث الفطرة نوعان: فرع يرجع إلى الإنسان، وفرع يتصل بالله وهو من وجه آخر مدار بحث عميق في منابع المعرفة الإسلامية، أي القرآن والسنة. إن للفطرة في القرآن والسنة أهمية كبرى، وذلك لأنهما يحملان منظوراً خاصاً عن الإنسان، إذ هما يقولان: إن للإنسان فطرة، فلا بد لنا أن ندرس تاريخ هذه الكلمة ومعناها، وهل سبق أن استعملت هذه الكلمة بخصوص الإنسان قبل أن ترد في القرآن؟ إن الأدلة التي بين أيدينا تثبت أن أحداً لم يستعمل هذه الكلمة قبل ورودها في القرآن. والنقطة الأخرى التي يجب أن نبحثها هي: هل في الإنسان حقاً أمور نظرية، أم لا؟. وبحثنا الثالث سيكون في الدين، وهل أن الدين فطري والتدين فطرة في الإنسان، أم لا؟ وهذا يستدعينا القيام ببحث علمي مستفيض عن الإنسان. ولا شك أن لهذا عدداً من التفرعات والتشعبات تظهر في مسير البحث، ومن ذلك موضوع التربية والتعليم، وهو موضوع لا يخفى اتساعه وبعد مداه. فإذا كان في الإنسان سلسلة من الأمور الفطرية، فلا بد أن تسير قضايا التربية والتعليم على وفق تلك الأمور الفطرية. بل إن كلمة تربية نفسها التي تستعملها هنا مبنية على هذا الأساس، سواء أعرفنا ذلك أم لم نعرف إذ أن التربية تعني التنمية والعمل على إكمال رشد الشيء وإنمائه، وهذا يكون استناداً إلى مجموعة من الاستعدادات، أو بتعبير العصر : ذلك يحتاج إلى عدد من الخصائص الكافية في الإنسان. أي أن التربية تختلف عن الصناعة في كون الصناعة تعنى بالصنع، فما معنى هذا؟ هذا يعني أن الإنسان في الصناعة يسعى إلى صنع شيء ما، فيجمع عدداً من المواد التي لا بد منها ليصنع ما يريد، بغير أن يلقي بالاً إلى أن ما يصنع سوف يؤثر على تلك المواد من حيث نقصانها وكمالها .. إن كل همه هو إنجاز ما يريد، سواء أكانت المادة ناقصة أم كاملة . عندما يقوم نجار أو معمار ببناء شيء يسعى لتحقيق هدفه، فيهيء ما يحتاجه من الحديد والإسمنت وغير ذلك، وهي مواد لا دخل له في إيجادها وتربيتها وإكمال نواقصها، لأن ذلك لا يدخل في عمله الذي يقصده، بل قد يقتضيه العمل أن ينقص من كمال تلك المواد. ولكن الأمر يكون بخلاف ذلك بالنسبة للفلاح مثلاً، فهو على الرغم من كونه يسير نحو هدف مادي، فإنه - لبلوغ هدفه - يضطر إلى القيام بتربية ما يزرع، آخذاً طبيعة كل نبات بعين الاعتبار، فيعتني به حتى يوصله إلى الكمال الكامن في طبيعته.. إنه يعرف طرق تربية النباتات والظروف اللازمة لنموها ورشدها وبلوغها مرحلة الكمال، فيعمل على توفيرها، ويعين النبتة على أن تطوي مسيرتها الطبيعية التي فطرت عليها، وعندئذ يكون قد وصل إلى الهدف الذي كان يسعى إليه.

ben al-munabbir walenha al-hussainia ben al-munabbir walenha al-hussainia