القصص القرآنية، دراسة ومعطيات وأهداف

أضيف بتاريخ 09/05/2024
Admin 3


كتاب : القصص القرآنية، دراسة ومعطيات وأهداف - جزئين
المؤلف : الشيخ جعفر السبحاني
عدد الصفحات : 448/640
الجزء الاول
الجزء الثاني


. موضوع القصص القرآنية يتخذ القرآن الكريم من حياة الأمم السابقة وحركة أنبيائهم ، محوراً لدراساته، وهذا يفترق عن منهج جل المؤرخين الذين يتناولون حياة الملوك وأصحاب السلطة موضوعاً للبحث والدراسة، وربما يغالون في نشاطاتهم وعطاءاتهم، بل يغالون في إضفاء الطابع الأخلاقي على تصرفاتهم على نحو لا يصدقه العقل ولا تؤيده الشواهد. ولذلك عاد التاريخ عند الشرقيين تاريخ الملوك والحكام، مع أنه كان يفترض بهم - بعد أن أشرقت الأرض بنور القرآن الكريم - التوفر على دراسة حياة الأمم والتاريخ الإنساني على ضوء حياة الأنبياء وحياة أقوامهم منذ أن نزلت الهداية الإلهية على الإنسان، وهذا ما نتمناه، ولعل الله يقيض بعض الغيارى للقيام بهذا العبء الجليل. إن القرآن الكريم لم يذكر إلا القليل من الأنبياء، إذ بلغ عدد من تعرض لذكر حياتهم ودورهم في أممهم التي بعثوا لهدايتها نحو (٢٥) نبياً، وإلى هذه الحقيقة، أشار سبحانه بقوله: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ) (١)، ومع ذلك فإن فيهما ورد في قصصهم غنى وكفاية لما فيها من عبر و عظات ودروس تستجلى من مواقفهم، وأهم محطات ۱ غافر : ۷۸ ۱۲ القصص القرآنية حياتهم، ومآل أقوامهم وما أصابها من بأساء وضراء، جزاء لما اقترفوا من أعمال. ولم يقتصر القرآن الكريم على بيان الأحداث التي جاد بها الزمان في بيئات محدودة، بل تعرض للأحداث التي جرت في العواصم الكبيرة والمدن البعيدة، ولذلك عبر عنها بـ «أنباء القرى قال تعالى: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرِى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ) (1) ومما يحسن ذكره أن القرية في مصطلح القرآن الكريم هي النقطة المعمورة، سواء أكانت صغيرة أم كبيرة حتى أنه عبر عن مصر الفراعنة بالقرية، قال تعالى: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ التي كُنَّا فِيهَا ) (٢)، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على امتداد دائرة التبليغ السماوية للأنبياء وشموله لكافة أرجاء المعمورة. قال سبحانه: ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) (۳) وكان الأنبياء يتخذون من أم القرى - التي هي العاصمة - مركزاً لتبليغهم حتى تتم الحجة على أهل القرى المحيطة بها من مختلف المدائن والأمصار، يقول سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمَّهَا رَسُولًا) ()، لوجود الصلة بين أم القرى، وفروعها