كتاب : شبهات وردود حول القرآن الكريم
المؤلف : الشيخ محمد هادي معرفة
عدد الصفحات : 609
كان القرآن منذ أول يومه ولا يزال موضع عناية ذوي الأحلام الراجحة والنفوس الطيبة من علماء ونيهاء ملأت بهم الآفاق كما كان مطمح غواية ذوي الأحقاد الرديئة والأنفس الخبيثة، لم ترعهم شاكلة القرآن الوضيئة، فطفقوا يناولونه في محاولة مستمرة الغرض الحط من كرامته الرفيعة أو النقص من دعائمه القويمة وهيهات ويأبى الله إلا أن يتم نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ " وكان من مضاعفات تلكم المحاولات الفاشلة أن تراكمت هناك (في غياهب التيه) شبهات هي ظلمات بعضها فوق بعض ومن لم يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً قَالَهُ مِن نوره والشبهات حول القرآن في قديمها أو الحديث منها - تتنوع إلى أنحاء: 1 - منها ما يعود إلى التشكيك في كونه وحياً مباشرياً تلقاء نبي الإسلام من ملكوت أعلى، إما لعدم إمكانه، نظراً لعدم التوائم بين عالمين أحدهما أعلى لطيف والآخر أسفل كثيف وقد أجبنا على ذلك بإمكان الاتصال بالجانب الروحاني (حقيقة الإنسان الذاتية) من الإنسان إذا كان قد بلغ الكمال واستعد روحياً للاتصال بالملأ الأعلى. وإما لزعم أنها ملتقطات النفطها نبي الإسلام من أقواء الرجال (أهل الكتاب) كان يلتقي برجال من أهل الديانات المعروفة في جزيرة العرب في رحلاته وأسفاره إلى مختلف البلاد، بل وفي مكة والحجاز ممن أوى إليها من المعتنقين للمسيحية وأبناء اليهود. «قالوا أساطير الأولين اكتبها فهي على عَلَيْهِ بكرة وأصيلاه " أضف إليه ما كان يستلهم من صميم وعيه المطعم بإيحاءات البيئة التي كان يعيشها، كان يستوحيها من داخل ضميره عندما يختلي بنفسه في غار حراء، فكان يستصفى أحسن ما تلقاء ليبديه وحياً من الله وقرآناً نازلاً من السماء. هكذا فرضوا فيما زعموا من غير برهان أتاهم. وستفصل الكلام في ذلك. ٢ - ومنها زعم التأثر بالبيئة وثقافات جاهلية كانت ساطية حينذاك. حسبوا أن في القرآن الشيء الكثير من رسوم وعادات بائدة كانت قد تعارفها العرب و ربما البشرية يومذاك وقد خضع لها القرآن في كثير من تعاليمه وبرامجه، والتي منها ما يبدو غليظاً أو شديداً أو متجافياً للحكمة ويتعافاه العقل الرشيد فيما تقدمت ركب البشرية فيما بعد. وأخذوا من عقوبات الإسلام دليلاً على ذلك فيما وهموا! ومنها ما حسبوه متهافتاً من إيهام التناقض في القرآن، ولو كان من عند الله لم يوجد فيه هذا الإختلاف هكذا حسبوا حسابهم لا عن مداقة - ومنها احتمال وجود اللحن في القرآن إما تأريخياً أو أدبياً أو متنافياً مع بداهة العلم، فيما توهموه عبر الخيال