رسل الحسين ورسائله بين يدي كربلاء
أضيف بتاريخ 10/21/2025
كتاب: رسل الحسين ورسائله بين يدي كربلاء
المؤلف: جعفر ملا عبد المندلاوي
عدد الصفحات: 218
المقدمة الحمدُ لله داحي المدحوات ، ماسك الممسوكات ، بارئ النسمات ، واسع العطيات ، قابل التوبات ، غافر الخطيئات ، ومجري المنشآت ، ولَـهُ الحمدُ على عظيم المنن السابغات والآلآء الناميات والنِعَم الزاكيات ، الذي بعث رسله بالآيات الواضحات والدلائل الباهرات ، وأشرف الصلاة وأتمّها على اقدس الموجودات ، أكرم النَسَمَات ، رفيعُ الدَرجات ، وصاحب المعجزات ، أبو القاسم محمدٍ صلى الله عليه وآله ، مَنْ خَتَمَ به النبوات ، بأكمل الديانات ، وَأتم الشرعات ، وآله خير البريات ، الأئمة الهُداة ، والقادة السادات ، المعصومين من الخطيئآت ، حجج الله الواضحات ، وخلفائه على جميع المخلوقات ، في الارضين والسماوات ، من الآن الى يومِ الميقات. وبعد ؛ فلا يخفى على ذي لُبّ ؛ أن نهضة الحسين عليه السلام إنما كانت تهدف اولا وآخرا الى إنقاذ الشرع المقدس من براثن الجاهلية الجديدة، وإحياء معالمه التي درستها اباطيل بني امية واحدوثاتهم وابتداعاتهم أو كادت ، وإعادة الدين الحنيف الى مساره الآلهي ونهجه المحمديّ الأصيل ، بعد أن أوشكت أن تذوب في بودقة الفكر والنهج الاموي الجاهلي ، الذي مهّدت له مؤامرة السقيفة المشؤومة بتمكين المنافقين والطلقاء للنفوذ الى مراكز القرار في الدولة الفتية (1) فأوغلوا في ضرب بنيان الدين مِن خلال وسائل واساليب مختلفة ، بالترغيب تارة ، وبالترهيب أخرى ، وثالثة بالتضليل والخداع ، ومن ذلك شراء ذمم بعض الصحابة وإخضاعهم وجعلهم أبواقا لهم ودُعاة لنهجهم واهدافهم الحقيقية الخبيثة ، والبدء بنشر عقائد غريبة عن أصل الشرع ومنهجه ، ليكون بديلا عن الدين الذي جاء به خاتم الانبياء صلى الله عليه وآله. فبدأوا ببث السُنّة الاموية بعد طول منع من تداول او رواية أو تدوين من قبل اصحاب السقيفة وفرقة (حسبنا كتاب الله)(2) بحجج واهية ، ليجد الطليق معاوية وأوغاد بني امية الطريق اليهم متاحا لزرع وبناء منهج مخالف لمنهج ومدرسة اهل البيت (وأهل البيت أدرى بالذي فيه ) حسداً لما فضلهم الله به إذ جعلهم خلفاء في الارض وجعل فيهم النبوة والامامة الى آخر الدنيا ، وثأرا لما اصابهم من سيوف بني عبدالمطلب في بدر واُحد وحنين ، وإنتقاما لدماء آبائهم الذين هلكوا مشركين بالله ، كافرين بنبوّة محمد صلى الله عليه وآله، وعملوا على نشر دين آخر غريبا عن الاسلام المحمدي. وهذا ما تبجح به الفاسـق الفاجر يزيد عليه لعائن الله ، وأعلن كـفره على الملأ جهـرا بابياته (ليت اشياخي ...) (3) لحظة ورود الرأس الشريف لأبي عبدالله الحُسين عليه السلام الى قصره في الشام . بل أظهر هذا الكفر قبله غير مرة ، أبوه الطليق معاوية حين أعلن أندهاشه من إستمرار ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله في الآذان ، وكأنه لم يفعل شيء لطمس ذلك النور (يُرِيدُونَ لِيُطْفِـؤُوا نُـورَ اللَّهِ بِأَفْـوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُـتِمُّ نُـورِهِ وَلَـوْ كَـرِهَ الْكَافِرُونَ (4). ففي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج5 ص 478- 479 قال : ( وقد طعن كثير من أصحابنا في دين معاوية ، ولم يقتمروا على تفسيقه، وقالوا عنه إنه كان ملحداً لا يعتقد النبوة ، ونقلوا عنه في فلتات كلامه وسقطات ألفاظه ما يدل على ذلك. وروى الزبير بن بكار في الموفقيات وهو غير متهم على معاوية، ولا منسوب إلى اعتقاد الشيعة، لما هو معلوم من حاله من مجانبة علي رضي الله عنه والانحراف عنه : قال المطرف بن المغيرة بن شعبة: دخلت مع أبي على معاوية، وكان أبي يأتيه، فيتحدث معه، ثم ينصرف إلي فيذكر معاوية وعقله، ويعجب بما يرى منه، إذ جاء ذات ليلة، فأمسك عن العشاء، ورأيته مغتماً فانتظرته ساعة، وظننت أنه لأمر حدث فينا، فقلت: ما لي أراك مغتماً منذ الليلة؟ فقال: يا بني، جئت من عند أكفر الناس وأخبثهم، قلت: وما ذاك؟ قال: قلت له وقد خلوت به: إنك قد بلغت سناً يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلاً، وبسطت خيراً فإنك قد كبرت ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم، فوصلت أرحامهم فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه، وإن ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه، فقال: هيهات هيهات! أي ذكر أرجو بقاءه ملك أخو تيم فعدل، وفعل ما فعل، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلا أن يقول قائل: أبو بكر، ثم ملك أخو عدي، فاجتهد وشمر عشر سنين، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلا أن يقول قائل: عمر، وإن ابن أبي كبشة ليصاح به كل يوم خمس مرات: أشهد أن محمداً رسول الله، فأي عمل يبقى؟ وأي ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك لا والله إلا دفناً دفناً ) (5 ). وفي معاوية يقول أحمد بن الحسين البيهقي : خرج معاوية من الكفر الى النفاق في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) وبعده رجع الى كفره الأصلي (6) . وهذا رأس الشرك والنفاق ابو سفيان صخر يقول للعباس يوم الفتح : ان هذه ملوكية ، فقال العباس: ويلك انها النبوة (7) . وفيما بعد تشدق بكفر بواح يوم وِلي عثمان بقولته الشهيرة : (قد صارت إليك بعد تيم وعديّ، فأدِرها كالكرة، واجعل أوتادها بني أُميّـة، فإنّما هو الملك، ولا أدري ما جَنّـة ولا نار ) (8). وفي اخرى: (تلقّفوها تلقّف الكرة، فما هناك جَنّـة ولا نار ) (9). وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج9 ص929 : في اخبار يوم الشورى: قال : قال الشعبي، فلما دخل عثمان رحله دخل اليه بنو أمية حتى امتلأت بهم الدار، ثم أغلقوها عليهم، فقال أبو سفيان بن حرب: أعندكم أحد من غيركم، قالوا: لا، قال: يا بني أمية، تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من عذاب ولا حساب، ولا جنة ولا نار، ولا بعث ولا قيامة! قال: فانتهره عثمان، وساءه بما قال، وأمر بإخراجه (10). وقال ابو الفرج الاصفهاني في الاغاني : وحدثني أحمد بن الجعد قال حدثني محمد بن حميد قال حدثنا جرير عن عمرو بن ثابت عن الحسن قال: لما ولي عثمان الخلافة، دخل عليه أبو سفيان فقال: يا معشر بني أمية، إن الخلافة صارت في تيم وعدي حتى طمعت فيها، وقد صارت إليكم فتلقفوها بينكم تلقف الكرة، فوالله ما من جنة ولا نار - هذا أو نحوه - فصاح به عثمان: قم عني فعل الله بك وفعل. ولأبي سفيان أخبار من هذا الجنس ونحوه كثيرة يطول ذكرها، وفيما ذكرت منها مقنع (11). وفي رواية أخرى : دخل أبو سفيان على عثمان بعد أن كف بصره ، فقال : هل علينا من عين ؟ قال : لا . فقال : يا عثمان ! إن الأمر أمر عالمية ، والملك ملك جاهلية ، فاجعل أوتاد الأرض بني أمية (12) وفي خبر عندما بويع لعثمان، دخل أبو سفيان عليه وقد عمي، فقال: ها هنا أحد؟ قالوا: لا، قال: اللهم اجعل الأمر جاهلية، والملك ملك غاصبية، واجعل أوتاد الأرض لبني اُمية! (13) وقريب منه ما ذكره سلام الجزائري في كتاب معاوية (14). يقول المستبصر الاردني مروان خليفات في كتابه المسار الاموي ص30 (( وفي كل موقف يفصح ابو سفيان عما في نفسه من رواسب الجاهلية وعقائدها ولعل أخطرما صرح به أبو سفيان بعد اسلامه هو نكرانه لعالم الاخرة ، ولما فيها من جزاء ، نقرأ ذلك فيما نقله الينا ابن عبدالبر في الاستيعاب من طريق ابن المبارك عن الحسن : ان ابا سفيان دخل على عثمان حين صارت الخلافة إليه فقال: صارت إليك بعد تيم وعدي فأدرها كالكرة، واجعل أوتادها بني أمية، فإنما هو الملك ولا أدري ما جنة ولا نار، فصاح به عثمان: قم عني فعل الله بك وفعل )) (15) . وهذا السيوطي يروي في الدر المنثور عن قتادة في قوله تعالى ( أئمة الكفر) قال : ابو سفيان بن حرب وامية بن خلف وعتبة بن ربيعة وابو جهل بن هشام وسهيل بن عمرو (16). ونقل ابن عساكر عن مجاهد (فقاتلوا أئمة الكفر) قال: ابو سفيان (17). وكذلك روى الطبري في تفسيره (18) والشيخ الطوسي في تفسيره التبيان (19). وجاء في تفسير الفخر الرازي في قوله تعالى ( ان الذين كفروا لن تغني عنهم اموالهم ولا اولادهم من الله شيئا ... ) انها نزلت في ابي سفيان (20). قالوا: وقد مرّ بقبر حمزة رضي الله عنه، وضربه برجله وقال: يا أبا عُمارة، إنّ الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسـيف أمسى في يد غِلماننا اليوم يتلعّبون به (21). هذه حقيقة إعتقاد الاموية وخصوصا الطليقين ابو سفيان ومعاوية الذَين دخلا الاسلام كُرهاً ليحقنوا دماؤهم ويحفظوا انفسهم (22) ، فمن كان مسلما حُقن دمه وماله ، فأسلموا ظاهراً ولما يدخل الايمان في قلوبهم بل أُشربوا النفاق والكفر حتى النخاع . فما إن صار الامر اليهم حتى أظهروا ما كانوا يخفونه من الكفر والنفاق والتستر بالدين . هذه الحقيقة لم تغب عن أذهان علماء ومفكري المسلميين ، فقد ذكر الشيخ الأزهريٌ المصري محمود أبو رِيّة في كتابه أضواء على السنة المحمدية ص409 ما نصّه : [[ قال الاستاذ الامام محمد عبده : لم يرزأ الاسلام بأعظم مما ابتدعه المنتسبون اليه ، وما أحدثه الغلاة من المفتريات عليه ، فذلك مما جلب الفساد على عقول المسلمين ، وأساء ظنون غيرهم فيما بني عليه الدين . وقد فشت للكذب فاشية على الدين المحمديّ في قرونه الاولى حتى عرف ذلك في عهد الصحابة رضي الله عنهم . بل عهد الكذب على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حياته ... إلا أن عموم البلوى بالاكاذيب حق على الناس بلاؤه في دولة الامويين فكثر الناقلون وقلّ الصادقون وامتنع كثير من اجلّة الصحابة عن الحديث الا لمن يثقون بحفظه خوفا من التحريف فيما يؤخذ عنهم . .. روى الامام مسلم في مقدمة صحيحه قال : ما رأيت اهل الخير في شيء اكذب منهم في الحديث ثم اتسع شر الافتراء وتفاقم خطب الاختلاق وامتد بامتدادات الزمان .... ]](23). وقال الهيثمي : وعن ابن عباس قال : سمع النبي صلى الله عليه وآله صوت رجلين وهما يتغنيان – الى ان قال ـ فسال عنهما فقيل له : هما معاوية وعمرو بن العاص فقال: اللهم أركسهما في الفتنة ركسا ودّعهما الى النار دعّا ، قال : رواه الطبراني (24). ولذا كانت نهضة الحسين عليه السلام إمتثالاً لأمر الله تبارك وتعالى : (فَقَاتِلُوا أئِمَّةَ الكُفْرِ إنَّهُمْ لا أيْمَانَ لَهُمْ) (25) حيث يأمر الله عزّ وجلّ بجهاد ومحاربة قادة الكفر الّذين لا أيمان ، وحَثّ على ذلك في غير آية من كتابه الكريم. وما أكثر ما حذّر منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ظهور أئمة جور وضلالة يجب التصدي لهم ومجابهتهم ، وعدم الركون اليهم ومعاونتهم بحال وتنبأ بظهورهم في الامة . فمن ذلك : قوله صلى الله عليه وآله : [[ حين سأله معاذ بن جبل قال: يا رسول الله أرأيت إن كان علينا أمراء لا يستنون بسنتك ولا يأخذون بأمرك فما تأمرنا في أمرهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا طاعة لمن لم يطع الله"]] (26). وقوله صلى الله عليه وآله : [[ إنّه سيكون عليكم أُمراء يغشاهم غواش من الناس، فمن صدّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأنا بريء منه، وهو بريء منّي ]] (27). وقوله صلى الله عليه وآله : [[ إنه سيلي أمركم من بعدي رجال يطفئون السنة ويحدثون بدعة ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها قال ابن مسعود يا رسول الله كيف بي إذا أدركتهم قال ليس يا ابن أم عبد طاعة لمن عصى الله قالها ثلاث مرات وسمعت أنا من محمد بن الصباح مثله ]] (28) . وقوله صلى الله عليه وآله : [[ سيلي أموركم بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى الله تعالى فلا تقبلوا بربكم عز وجل ]] (29) . وقوله صلى الله عليه وآله : [[ سيكون أمراء من بعدي يأمرونكم بما تعرفوا ويعلمون ما تنكرون فليس أولئك عليكم بأئمة]]. (30) - وقوله صلى الله عليه وآله : [[ خذوا العطاء ما دام عطاء، فإذا صار رشوة على الدين فلا تأخذوه ولستم بتاركيه يمنعكم الفقر والحاجة،ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار،ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان،فلا تفارقوا الكتاب،ألا إنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم فإذا عصيتموهم قتلوكم،وإن أطعتموهم أضلوكم". قالوا: يا رسول الله كيف نصنع؟ قال: "كما صنع أصحاب عيسى بن مريم نشروا بالمناشير وحملوا على الخشب موت في طاعة الله خير من حياة في معصية الله ]] (31). وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : [[ يكون أمراء يغشاهم غواش وحواش من الناس،يكذبون ويظلمون،فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه،ومن لم يدخل عليهم ويصدقهم بكذبهم ويعينهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه ]]. (32). وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : [[ إنه سيكون عليكم أمراء يظلمون ويكذبون فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولا يرد علي الحوض،ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم فهو مني وأنا منه وسيرد علي الحوض]] (33). وقوله صلى الله عليه وآله : [[ إنّ بعدي أئمّة إن أطعتموهم أكفروكم، وإن عصيتموهم قتلوكم، أئمّة الكفر ورؤوس الضلالة ]] (34). وقوله صلى الله عليه وآله : [[ ألا إنّه سيكون بعدي أُمراء يكذّبون ويظلمون، فمن صدّقهم بكذبهم ومالأهم على ظلمهم فليس منّي ولا أنا منه، ومن لم يصـدّقهم بكذبهم ولم يمالئهم على ظلمهم فهو منّـي وأنا منـه ]] (35). ومن خطبة لأمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله في بيان الفتن : [[ إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ، وَأَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ، يُخَالَفُ فِيهَا كِتابُ اللهِ، وَيَتَوَلَّى عَلَيْهَا رِجَالٌ رِجَالاً، عَلَى غَيْرِ دِينِ اللهِ، فَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ الْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى الْمُرْتَادِينَ (36) ، وَلَوْ أَنَّ الْحقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ البَاطِلِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ الْمُعَانِدِينَ; وَلكِن يُؤْخَذُ مِنْ هذَا ضِغْثٌ (37) ، وَمِنْ هذَا ضِغْثٌ، فَيُمْزَجَانِ! فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلي الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ، وَيَنْجُو الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللهِ الْحُسْنَى ]] (38). فلم يكن يسع الحسين عليه السلام بعد هذا ان يرضى ببيعة يزيد الفاجر الفاسق؟ وإنما ينتصر لدين الله بكل ما اُوتي من قوة ليجاهد ويقف بوجه أُمراء الجور والضلالة الذين يكيدون للاسلام المكائد. فلذا كانت نهضة الحسين عليه السلام إستجابة شرعية أولاً واخلاقية ثانيا ، لإنقاذ الاسلام من ان تشوبه تلك التشوهات ، بل هي تكليف آلهي لخصوصية الحسين ووقته ، فلم يكن لأحد غيره ، الجرأة والشجاعة والإقدام ليكون القتيل الذي يُقَوّض أركان البيت الاموي ، فقد سرى الخنوع والذلّ في أهل الاسلام بإنقيادهم للطليق معاوية ، ولم تكن هذه النفسية بعيدة عن خَلَفه الرجس يزيد ، الذي أمر الناس بمبايعته على انهم عبيد له يحكم في دمائهم واموالهم واهليهم ما شاء (39) ، فأين هذا من الاسلام الذي يدّعون إنتمائهم له ؟. ولئن قضى الله تبارك وتعالى بإن يكون إستشهاد الحسين صلوات الله عليه سببا وموجبا لإستمرارية هذا الدين وديمومته عبر الازمان المتعاقبة الى يوم القيامة .. فقد أعطى الثلة المؤمنة التي صاحبت وناصرت وجاهدت وإمتثلت لأوامر الحسين عليه السلام وإستُشهدت معه ، مثالا غاية في الكمال من التضحية والإيثار والثبات على المبدأ ، وكان لهم ألقا يسمو في غرة الانسانية ، ونورا يعلو في سماء الشهادة ،، بعد أن ترسخت في قلوب المخبتين الوالهين الذين لا زالوا يرددون بصوت يسمعه العالم ( يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزا عظيما ) . فهم مَن صفا يقينهم وخلصت نياتهم ، مٌلئوا الإيمان الوافي، وأُشربوا الولاء الصافي ، ذوو بصائر نافذة ، ونفوسٌ باذخة ، وعهود صادقة ، وبطولات فائقة ، ضحوا بأرواحهم ، وقدموا تضحياتهم ، فصاروا في الصبر كالجبال ، وللإيثار مثال . وتكفينا هذه الكلمات القلائل التي صدرت من رجل حارب الحسين يوم الطف ، حيث يروي ابن أبي الحديد في شرح النهج : قيل لرجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد: ويحك أقتلتم ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ فقال: عضضت بالجندل، إنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا، ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كأسود ضارية، تحطم الفرسان يميناً وشمالاً، وتلقي أنفسها على الموت، لا تقبل الأمان، ولا ترغب في المال، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية أو الاستيلاء على الملك، فلو كففنا عنها رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها، فما كنا فاعلين لا أم لك؟ (40)