الزمان والمكان اليوم

أضيف بتاريخ 06/26/2020
مكتبة نرجس للكتب المصورة


كتاب: الزمان والمكان اليوم
بقلم: جيزو الوغريا – هرفيه بارو – ستيلا باروك – باتريك بوشارين – دانيل شارل – جويفاني تشيكوتي – هربرت داميش – ميشيل امبرت – اندريه اثيانو – جان – مارك ليفي – ليبلون – فرانسوا مينيار – كلود ميلنر – جوزيه موراييس – سيرج موسكوفيشي – جاك نينيو – رولاند اومنيس – جاك روجيه – جان روسموردوك – جان تيريان
المحاور: اميل نويل
ترجمة: محمد وائل بشير الاتاسي
عدد الصفحات: 246
الحجم: 3.4 MB


مدخل «إني راحل لأيام... إني ذاهب إلى ... كم نحتاج من الزمن لكي نصل إلى... آه، إنها على مسيرة يومين... مسافة دقيقة وأكون طوع بنانك... هذه العبارات الشائعة، لم تنتظر تعريف السنة الضوئية لكي يقدر المكان بالزمان وبالعكس. إلا أننا دهش مع ذلك عندما نعلم أن علم القياس الحديث، يسعى إلى استخدام وحدة واحدة لقياس المكان والزمان. ترى، أيحق لنا أن نرى في ذلك دلالة على أن هذه الاستعارات ليست من اختراعنا، بل هي تفرض نفسها لدرجة أنها تجري على ألسنتنا بصورة لا شعورية؟ يتراءى لي على كل حال أن تمتع الزمان والمكان بتنظيم وبنية، أمر مفروغ منه ولا يحتاج إلى دليل بالنسبة للرجل الغربي. فالمكان بأبعاده الثلاثة، مفروض علينا بوصفه شيئا ماثلا، متأصلا في طبيعة العالم، وبوصفه بنية تبدو فيها أوضاع الأشياء والكائنات بعضها بالنسبة إلى بعض، وكذلك السلوك الحيواني والمنجزات البشرية بدورها، أمورا مفروضة بوصفها تنظيمات. وهكذا فإن كل كائن حي يتدبر لنفسه حيزه الخاص بما فيه من مناطق لأمنه، ومناطق الخطر عليه، ومناطق ارتباطه، ومناطق استقلاليته، فيؤلف بذلك حيزا اجتماعية يتوسطه الكائن، ويتنظم بدوره حول محورين: سائد /مسود، مباح/ محرم. أما الحيوان الإنساني من جهته، فلا يتشكل إنسانا حقا إلا في حالة شعوره المكاني بهيكله الجسدي الخاص. أما الزمان فهو يجتازنا. ولكن إدراكنا له لايتم إلا في فترة تنظيم تتعين فيها تفاصيل هذا التنظيم وتتضح حول العلاقة متواقت/ متتابع. هل الإنسان هو الذي ينظم الزمن، أم أن الزمن هو الذي ينظم الإنسان؟ إن الإنسان يبني أفقه الزمني مبتدئا با «آن» متحرك على الدوام، وتفصل ( كل آن) بين «ماضي» سيره وذكرياته وبين «مستقبل» مشاريعه. وهذا الجريان (أو حركة الى «الآن» ، أو على الأقل الشعور بهذا الجريان، الذي هو إلزامي وبنية في آن واحد، مقوم أساسي للإنسان «السوي». فعلم النفس المرضي يعلمنا كيف يؤدي كل اختلال نفسي إلى تشويش في المكان والزمان المعاشين على السواء. ذلك بالفعل لأن هذين المفهومين يعاشان غالبا مرتبطين، هذا إن لم نقل إنهما مرتبطان على الدوام. إن الجدلية متزامن/ متعاقب لا تكتفي بوضع بعدين جوهريين للزمنية في موقف التعارض بل تدخل ثنوية لا تنفصم هي الثنوية مكان زمان. إذ كيف يكون هناك تزامنية من غير مكان؟ خذ البنيوية، إنها تزامن زمنية وتمكنن (من مكان)، دراسة اللغات، ثم دراسة الثقافات... وحتى بعض التواريخ . ولكن كيف نتجنب في الوقت نفسه مع هذه الدراسة، دراسة التعاقبية إن التفاعل مكان/ زمان لا يطرح في الفيزياء وحدها، بل إن علم النفس السريري أعطى أيضأ هذا التفاعل حقه من التقدير، فقد اعتمد التحليل النفسي على تاريخية المريض و «فضائه العقلي»، واعتمد علم النفس الاجتماعي الموريني على الله «هنا والآن» في فضاء الجماعة، وحتى ذلك المكان الزمان «العبوري» الذي اقترحه بوجه خاص وينيكوت) قام بذلك، إذ تمكن من المصالحة بين الحقيقي والتخيلي. إن هذا الالتقاء الشائي البعدين في خصوصية ديناميك الفرد وديناميك جماعة من الأفراد، هو موضوع دراسات في العلوم الإنسانية. وهذا الالتقاء نفسه الفيزياء من وجهة نظر عامة. ولكن ما الذي دفع الإنسان إلى طرح هذا السؤال؟ إنه على الأرجح دافع ضبابي وغامض إلى حد ما، دافع ذو طبيعة ميتافيزيكية . أليس العيش هو أن يخط المرء دربه الخاصة في أقاليم المكان والزمان التي تمتد بلا نهاية ولا حدود؟ فكيف نجد في لا نهائيات كونية، «غاياتها» ألغاز بالنسبة إلينا، موضعة لهذه «القطعة» الصغيرة جدا من المكان الزمان الفردية فالإنسان نفسه الذي يخترقه وقع ذلك السهم الزماني، في مقابل أبعاد المكان الثلاثة، يتساءل عن تداخلات هذين المعنيين (المكان والزمان) المتعايشين مع حياته الخاصة. إن ما نعيشه من هذه الشوية، بوعي أو بغير وعي، هو شيء من الأشياء الدائمة المستمرة الملازمة لأيامنا، ولكن هل هو كوني عام؟ قلت فيما سبق، أن تمتع المكان والزمان بتنظيم وبنية، أمر- كما يبدو لي- مفروغ منه بالنسبة إلى الرجل الغربي. ولكن ليس مفروغ منه دائما: لأن دراسة تطور هذين المفهومين تشهد على ذلك. بل إنه ما يزال أينما كان غير مفروغ منه. وهذا ما تدل عليه دراسة الثقافات المختلفة. ففي المكان كما في الزمان لم نعش، ولا نعيش دائما، بالطريقة ذاتها، إن هذين المفهومين ليسا أمرين عامين حصرا، أو شائعين على نمط واحد. وحتى الإنسان الغربي المعاصر لا يأتي إلى العالم وهذان المفهومان مكونان لديه بل ثمة نمو تكويني لإدراك المكان والزمان. نخلص مما سبق إذا إلى أن العلم الغربي هو الذي أنجز مفهومي المكان والزمان كما نفهمهما في أيامنا هذه. ولكي نكون فكرة جيدة عما هما المكان والزمان في يومنا هذا، أو في ثقافتنا، لا بد من أن نتتبع تاريخ هذين المفهومين، وكذلك تطور إدراكهما، خلال النمو الإنساني. إن هذه السلسلة المكونة من عشرين حديثة، تتألف من قسمين: قسم يعالج هذين المفهومين في الفكر الفيزيائي بدءا من أرسطو حتى أيامنا هذه (من 1 إلى 7)، كما يعالج إلى جانب ذلك قياس هذين البعدين (من 8 إلى 10). وقسم يعالج إدراك المكان والزمان وتطبيقاتهما العملية. فأما بحث الإدراك في بادئ الأمر فيتم عن طريق توجيه السؤال إلى علم النفس وعلوم الأعصاب والتربية (من 10 إلى 15). أما بحث الجانب العملي فينظر إليه من خلال اللغة والفنون والحقائق الاجتماعية من 16 إلى 19). والحديث الأخير الذي وضع تحت عنوان «مكان الآخرين وزمانهم»، ليس ازدراء تجاه الفارق بيننا وبينهم ولا هو تبرير له، إنه مثبت هنا، لكي ندلل - خلافا لما قد يظن- على شعورنا بنسبية هذين المفهومين، ولكي نشير إلى حدود مسعانا في البحث. إذ سيتضح لنا أن تخصيص دراسة لموضوع المكان والزمان في الثقافات الأخرى يبلغ من الاتساع ويتطلب من الجهد ما يوجب وحده تخصيص سلسلة من الأحاديث تعادل هذه على الأقل. لقد سجلت هذه الأحاديث وأذيعت في برنامج فرنسة الثقافية، والتحرير الذي بين أيديكم الآن ظل قريبة من الأحاديث الأصلية على قدر ما يسمح به الانتقال من المحكي إلى المدون. وقد تشبثا بأن نحفظ له حيويته وعفويته.

الزمان والمكان اليوم - مجموعة من الفكرين الزمان والمكان اليوم - مجموعة من الفكرين